16/04/2024

.

A good word aimed at the service of humanity

(الملعون المقدس) بين الواقعي والعجائبي قراءة نقدية لرواية الأديب محمد إقبال حرب بقلم الشاعرة التونسية : منيرة الحاج يوسف /جربة

1 min read
Spread the love

(الملعون المقدس) بين الواقعي والعجائبي

قراءة نقدية لرواية الأديب محمد إقبال حرب

بقلم الشاعرة التونسية : منيرة الحاج يوسف /جربة

توطئة

الرواية موضوع النقد عمل إبداعي مثير، يسترعي الدهشة والاستغراب في كل بهاب لأنها من ناحية لصيقة الواقع الإنساني تعالج أمراضه، وتتناول قضاياه، ومن ناحية ثانية تجنح بالقارئ إلى عوالم غرائبية تعدد مجالات التخييل والتأويل.

١العنوان

إن العنوان باعتباره عتبة النص يبوح بكم من الإلغاز كبير من شأنه أن يحرك في القارئ مشاعر تتراوح بين التشويق والعجب والتعجب والاستغراب وتنتهي بمشاعر الإعجاب عند اكتمال قراءة الرواية، هذا العنوان اللغز هو اختزال لكل فصول الرواية ذلك انه المرآة العاكسة للمتن، عنوان غريب، مريب، صادم، يخلخل هدوء الفكر ويدعو إلى التفكير، وقد ورد صفتين من نوع اسم المفعول معرّفتين بالألف واللام إحداهما صيغت من فعل مجرد والثانية من فعل مزيد، هذا التماهي في الصيغة الصرفية الدالة على من وقع عليه الفعل يفصح عن تضاد وتناقض يصل حد التنافر الصارخ في المعنى مما يربك القارئ، فشتان بين الملعون وهو الخارج من رحمة الله، المحروم من لطفه لرذيلة من الكبائر ارتكبها وتلوث بها، فباعدت بينه وبين الجنس البشري، وحولته مسخا مما يجلب له مشاعر الاشمئزاز والكراهية والاحتقار دون معرفة الخطيئة التي مارسها أو محاولة إدراك أسبابها وبين المقدس وهو المبارك والمعظم والنقي الذي يبعث في النفس احتراما وهيبة ووقارا.

هذا الجمع بين صفتين لا تجتمعان هو مدار الرواية وموضوع أحداثها وهو ما سيجعل القارئ مشتتا بين النقمة على شخصيتها الأساسية في بداياتها، متعاطفا معها في خواتيمها، مفكرا في مكانته الإنسانية، مهموما بهشاشة هذه المنزلة الوجودية على امتداد فصولها.

٢البعدان، الواقعي والعجائبي للرواية

نجحت الرّواية بما هي متن في الخروج من النمط التقليدي إلى فضاء رحيب للاحتمال والتأويل من خلال ما اختاره الأديب من بنية سردية ذات أنساق انزياحية، يتعالق فيها الواقعي بالمتخيل كما يتواتر لدى القارئ شعورا الألم والمتعة، لقد استعمل الأديب مرجعيات متنوعة دلت على سعة ثقافته وتعدد روافدها إلى جانب تأصله في ثقافته العربية الإسلامية فقد توسل القرآن والسنة والفلسفة الوجودية كما اعتمد على البحوث العلمية الحديثة ونهل من الآداب العالمية العريقة وهذا الاستدعاء للميثيولوجيا والتراث الإسلامي والفلسفة الوجودية خاصة مكنه مكنه من طرح مشاكل واقعه معالجة مبتكرة يختلط فيها الأدبي بالفني بالديني بالإيديولوجي بالميتافيزيقي بالفلسفي مما ساعده على تسليط الضوء لا على محنة الانسان اللبناني وحده بل على محنة الإنسان في المجتمعات العربية باعتبارها متماهية بل انفتح على قضية أعمق ألا وهي محنة الإنسان في الوجود.

٣الوسائل الفنية في بنية السرد

وظف الأديب تناميا مشوقا للأحدث تطور نحو التأزيم تخلله حوار الشخوص الذي اتسم بالصراع والتصادم مثال ذلك: حوار السجان وعرقول، حوار السجان والشاب، حوار عرقول والشاب، حوار دوران وعرقول، حوار دوران وإينويا…إلخ

أما الوصف فأجمله ما تعلق بالطبيعة وبعض وعناصرها كوصف القمر أما ما اتصل بالشخوص والأطر الزمكانية فجاء منفرا مصورا لكمّ البشاعة التي هيمنت عليها وصبغتها بكل حقير وهو ما يتماشى ومقصد الأديب وكذا هي المونولوجات التي أفصحت عنها الشخوص لتظهر عذابات بواطنها وما يحتدم فيها من صراع بين قطبي الخير والشر.

إن اللغة السردية مختارة بدقة بحيث تشكل التعجيب وتراكمه وتصوغ مميزات ملفوظه الحكائي مما ينسجم والأجواء الغرائبية الخاصة بالشخوص وبالزمكان وبالأحداث فلا الأسماء مثل الأسماء ولا الأمكنة تشبه الأمكنة ولا الأزمنة كالأزمنة ولا الأحداث تماثل الأحداث ذلك أن الكتابة العجائبية لها طقوسها التي تجعلها تلعب دورا مبهرا في إخراج الرواية إلى عالمها الذهني والفلسفي لتصوير ما هو واقعي معيش يحتاج تصويبا

فجاءت صادمة إلى الحد الذي يشعر فيه القارئ أنه ينحدر مع موبقاتها إلى الدرك الأسفل فتتملكه الرغبة في تقيؤ أمعائه ثم يسيطر عليه إحساس ضرورة التخلص من انتمائه إلى جنسه الإنساني وهو مطحون في رحى عذابه بين ما كان منه وما عليه أن يكون.

بجرأة نادرة غاص أديبنا في مفاسد المجتمع الإسلامي والإنساني على السواء ورصد ما لا يقال وما لا يكتب مع أنه طاغ

وبشاعة فائقة صور تصويرا فوطوغرافيا الشخصية الأساسية الحاج عرقول وهي غارقة في مستنقع آثامها سابحة في بحر لذاتها المرة دون وازع ديني أو ضابط أخلاقي يلجم الشهوة ويمنع بقية المفاسد التي أتاها.

السارد العليم في اكثر من فصل يعرف أكثر مما تعرف الشخوص عن ذاتها لذلك عراها في المناسبات التي سكتت فيها عن الحديث عن نفسها.

شخوص شاذة أخلاقيا، متجاوزة في الانفلات كل سقف، لكل منها نصيب من هذه المراذل التي تتسع وتنحسر حسب ما عاشته من ظروف وما سيرها من أسباب

إذ لا يمكن أن نعتبر عرقول يفوق في القذارة سجانه بل يشعر للقارئ بالنفور من كل الشخصيات بدءا بالتاجر والأخت مرورا بالمجتمع والأصحاب وصولا إلى الأبوين

فمعظم الشخوص الإنسانية في الرواية ملعونة، موبوءة موسومة بالعار وكلما توغل القارئ في القراءة شعر بنذالة الإنسان وتملكه شعور النقمة والكراهية لما يصدر عنه من جرائم وأيقن كم أيقن سارتر أن “الإنسان ذئب للإنسان ” لكنه وهو يكتشف الأسباب ويتمعن في الظروف يميل تدريجيا للجلاد ويدرك أنه ضحية فيتألم لأجله ويشفق عليه وتأخذه مشاعر الرحمة الإنسانية به وقد لعبت شخصية إينويا ونوس دورين بارزين في إظهار قيم التسامح والتعاون.

فشخصية عرقول مريضة معقدة مارست الرذائل بدوافع نفسية عميقة وقاسية أسهمت الأسرة والمجتمع في تركيمها وفشلت الشخصية لضعفها في تجاوز كل تلك العاهات، فالطريف أن عرقول واع بما جعل منه مجرما والقى به خارج الداىرة الإنسانية وهي تبريرات ابتزت مشاعر القارئ وعبثت بحسه الإنساني فتارة هو الكاره الناقم لكم الشذوذ الجنسي والانحطاط الأخلاقي ومختلف الجرائم التي تحط من قدره الإنساني وطورا هو المتعاطف المتألم الباكي لمصير الإنسان نظرا لهشاشة منزلته الوجودية فماهو إلا ضحية لقوى الشر التي تحكمه دون إرادة منه.

إن هذا التداخل بين الواقعي مثل: غياب التربية الجنسية للأبناء وعدم إحاطتهم إحاطة نفسية سليمة عند تعرضهم إلى الصدمات وتقهقر القيم الإسلامية السمحة وحصرها في القشور والتخفي في عباءة الدين وتراجع الأخلاق الإنسانية إلى جانب الفقر والتهميش والتجهيل والاستغلال

والمتخيل مثل آداء شخوص ذهنية مثل إينويا ونوس والحمار والقنفد، آداء فلسفيا هو ما يلون الرواية بلون عجائبي أما طابعها الذهني فتستقيه من جملة الأحداث التي اختارها الأديب للحبكة حتى يأخذ بيد الشخوص لتستعيد مكانتها الإنسانية المسلوبة إن إراديا أو قسريا فتعود من جديد طاهرة من خطاياها

فولادة عرقول هي خلاصة فلسفة الأديب إذ لابد من تمكين الإنسان من فرصة جديدة لبناء ذاته وعلى القاضي أن يراعي البعد الإنساني أيضا حتى يكون حكمه مقبولا .

خاتمة

إن الخاتمة التي اختارها الأديب لروايته غير منتظرة، مدهشة فإذا كان إدهاش البداية سببه الفساد والمراذل فإن إدهاش النهاية سببه سيرورة الأحداث نحو الفضيلة فعرقول يعود مولودا بريئا ودوران تتمسك به وتستشعر أمومتها الإنسانية كأجلّ ما يكون فتتحرك مشاعر فيها المشاعر الجميلة

مشاعر الإنسان المتصالح مع ذاته والمتخلص من شروره.

(الملعون المقدس) رواية حداثية بامتياز بمختلف أنساقها اللغوية والفكرية والفلسفية، انفتحت على لعنة الرذيلة لتبرز أن “الآخر هو الجحيم” وانغلقت على القداسة مبشرة بقيم إنسانية أصيلة تقوم على التسامح والمحبة والمصالحة.

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmailby feather

You may have missed