28/03/2024

.

A good word aimed at the service of humanity

ثلاث صور لنخيل بلادي.. بقلم: ليلى عبد الواحد المراني

1 min read

ليلى عبد الواحد المراني

Spread the love

ثلاث صور..
ليلى عبد الواحد المراني … عراقية مغتربة

ثلاث صورٍ لنخيل بلادي، آلمتني، وتركت تساؤلاً كبيراً، هذه الشجرة الشامخة، سيّدة أشجار الكون، حباها الله بقامةٍ ممشوقةٍ ، مستقيمة، وتاجٍ يكلّل هامتها، وكنوزٍ من الذهب تحت جدائلها.. عصيةً كانت، بإباءٍ وكبرياء تنغرس، شامخةً إلى السماء، كيف استبيحت؟ وكيف نالوا من كبريائها ..؟

الصورة الأولى:
عربات قطارٍ مكشوفة، تذكّر بتوابيت قوافل الشهداء، قادماً من البصرة، مارّاً ببغداد.. إلى تكريت. تتكدّس فيها فسائل شابّة، معافاة لأجود أصناف النخيل، يلهث سعفها الأخضر تحت سياط الحرّ، اُقتلعت من أحضان أمَّهاتها غدراً، وهُجّرت إلى أرضٍ لا تعرفها، وأيدٍ لا تملك دفء أيادٍ في مرتعها. من البصرة إلى تكريت، كان طريق هجرتها أو بالأحرى نفيها.. ومن دفء وحبّ أهلها إلى جفاء وقسوة مغتصبيها ! غرست في أرضٍ ليست أرضها ، وبين أناسٍ ليسوا أهلها.. وتحت سماءٍ ليست سماءها.. أخذ نسغها يجفّ، ويجفّ.. ويجفّ، بكت هجرتها بصمت، كما بكينا نحن هجرتنا عن الوطن! انقطعت أنفاسها، وذوت.. منتصبةً، شامخة تسخر من محاولة تدجينها.. رحلت.

الصورة الثانية:

بستان عامر بنخيل بلادي الزاهية، للتوّ بدأ ثمرها ينضج، الصغار يلعبون تحت فيئها.. يلملمون ما يقع من تمرها، ويرمونها بحجرٍ أحياناً، فتتساقط بعض التمور .. يضحكون ويزقزقون كالعصافير، متدافعين يركضون كي يجمعوا حصيلة عدوانهم.
غيلان حديديّة ضخمة اجتاحت سكينة الفجر، وغفوة النخيل.. ارتعبت ثمارها، وارتعب الصغار الذين يلعبون.
اغتيلت النخيل، الواحدة تلو الأخرى، فوق بعضها تساقطت، بوجعٍ علا نحيبها، والصغار منذهلون، خائفون.. لا نخيل بعد اليوم، عمارة ضخمة، ستحلّ مكانها…

الصورة الثالثة:

هتف صوت غليظ، قادم من الجحيم.. اخرجوا جميعاً إلى الساحة، سيتمّ إعدام الخونة الهاربين.. هلاهل النساء يجب أن تشقّ سكون الفجر.. قالت صديقتي، لن أشارك حتى لو كان الشنق عقابي، وانضمّت إليها أخرى، وتهديد بعقوبةٍ قاسية، تقول صديقتي، لم تخفني، ولَم أرتجف.. ولكنني ارتجفت، وبكيت حين شقّ أزيز الرصاص مسامعي..
في ساحةٍ مجاورةٍ لمبنى مديرية التربية، تنتصب فيها أشجار النخيل، باسقةً، محمّلةً بعذوق لآلئ صفراء ،شامخةً إلى السماء بزهوٍ وكبرياء .. تكدّست حولها أجساد خائفة، ترتجف ، مرتعبةً تنتظر مشهد الموت، وفجيعته!
عيون يملؤها الترقّب والذعر، مجبرةً أن تتابع ، وتظهر فرحتها، وتطلق الزغاريد !..
اثنا عشر شابّاً، بعمر الورود، معصوبو الأعين، اقتيدوا إلى الساحة، رُبطوا إلى جذوع النخيل.. انهال عليهم رصاصٌ حاقد، علت زغاريد النساء، مرتجفةً، باكية.. سقطت إحداهنّ أرضاً.. وتدلّت العذوق بحمولتها، وانتحبت أشجار نخيل بلادي!…

 
Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmailby feather

1 thought on “ثلاث صور لنخيل بلادي.. بقلم: ليلى عبد الواحد المراني

Comments are closed.

You may have missed